

كيف ولد المسرح اللبناني؟
عندما نريد دراسة المسرح العالمي وكيفية نشوئه نجد أن أقدم المسرحيات هي المسرحيات الإغريقية التي كانت بدايتها عبارة عن طقوس دينية وأناشيد استعراضية تخص الآلهة ديونسيوس، ومن ثم تحولت هذه الطقوس والأناشيد إلى عروض مسرحية ، وكان أول من وضع مسرحية شعرية هو الكاتب الإغريقي (ايسخيلوس) واسمها (الضارعات) حوالي سنة 490ق . م ومن ثم تطور المسرح مع تطور الزمن.
أما إذا أردنا الخوض في المسرح اللبناني ـ بلا شك ـ يقترن باسم:
مارون النقاش
التاجر اللبناني الذي ولد في صيدا في العام 1817م وتربى وتثقف في بيروت.
ألف مارون فرقة مع مجموعة من أقاربه ، وقام بعرض أول مسرحية أطلق عليها اسم (البخيل). اختلف النقاد في هل إن مسرحية (البخيل) مقتبسة من الكاتب الفرنسي موليير ؟ أو أنها نفس المسرحية وقام النقاش بترجمتها ؟
ولكني أستطيع من خلال وجهة نظري ، ووفق ما قرأت بشأن هذه المسرحية أنها مبنية على الفكرة نفسها ؛ بسبب تأثيره في المسرح الأوربي ، ولكن هناك تغيراً بالنسبة لما قام به النقاش في عرض المسرحية ، ومثال ذلك أنه أدخل الألحان التركية ، ولم يشرك عنصراً نسائياً ، كما أن شخصيات المسرحية مختلفة ومتباينة ، وهكذا فإن النجاح الذي حققه النقاش في عرضه لهذه المسرحية شجعه على بناء صالة كبيرة للعرض بجانب منزله بعد استحصاله على فرمان يخوله العرض في تلك الصالة.
وفي تلك الظروف كتب النقاش مسرحيته الثانية (أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد) في العام 1850م التي قال فيها بعض النقاد أنها تعريب لإحدى مسرحيات الكاتب الفرنسي موليير ، أو أنها مقتبسة من مادة (ألف ليلة وليلة).
أما المسرحية الثالثة والأخيرة التي كتبها النقاش ، وقد عرضها تحت اسم (الحسود السليط) في العام .1853
توفي مارون النقاش وهو في سن الثامنة والثلاثين من عمره خلال رحلة تجارية إلى طرطوس ، في زمن كان المسرح العربي في أمس الحاجة إلى وجود مؤسس يبذر البذرة الأولى على أرض صلبة للحركة المسرحية العربية ، وهي ما تزال في بدايتها ، إذ خسرت رائدها الذي كان ينتظر منه الكثير لما يحمل من حماسة وموهبة ، وبموته خسر المسرح تلك القاعة التي أنشأها لممارسة عروضه المسرحية ، والتي تحولت إلى كنيسة تمارس فيها الطقوس الدينية.

